الأحد، 29 أكتوبر 2017

من مدوّنة الدكتور جمال السيّد

وجدته! وجدت القلب الذي يخفق لي! - 2011


رينوار

نعم، وجدت القلب الذي يخفق لي كما أريد له أن يخفق!
وجدت القلب الذي أمضيت عمري في انتظاره، وكتبت له أكثر الكلمات تعبيرًا وشفافيّة وجمالاً!
وجدته بعدما كدت أفقد الأمل من ذلك!
لقد أقنعت نفسي طيلة عمري بأنّ هذا القلب المنتظَر ربّما توقّف عن الخفقان خلال الحرب وقبل أن تتاح له الفرصة ليحبّني؛ أو ربّما ناء بحبّ هذا الوطن الذي يرفض السلام فهاجر صاحبه إلى غير عودة فلم تتقاطع دربانا؛ أو ربّما هو يتخبّط في صدر حامله المعتقل أو الأسير أو المخطوف. ألف "ربّما" خطرت لي، وألف مرّة ارتحت إلى أنّ هذا القلب كان سيحبّني بصدق لو لم تمنعه الظروف، وكان الأمر مريحًا بطريقة ما، فأن يكون هذا "الخافق المعذّب" شهيدًا أو مهاجرًا أو مبعدًا أفضل بما لا يقاس من عدم وجوده. إلى أنّ قرأت خبرًا في الصحيفة طمأنني وأعاد فتح ملفّ العشق بعدما كنت طويت الصفحة واقتنعت بالقدر الذي جعلني إحدى ضحايا الحرب التي حرمتني من ذلك القلب الحنون.

فلقد تمكّن علماء أميركيون من تنمية أول قلب بشري في المختبر، وتوقّعوا بأن يبدأ بالخفقان خلال أسابيع. واستطاع الباحثون تنمية القلب عبر استخدام قلوب بشرية من متبرّعين متوفّين، وإفراغها من الخلايا، ثم حقنها بخلايا جذعيّة تكاثرت ونمت حول الهيكل، لتصبح تدريجياً خلايا قلب سليمة. وقالت الطبيبة "دوريس تايلور" المسؤولة عن الدراسة في جامعة مينيسوتا إنّ "القلوب تنمو ونأمل بأن تظهر مؤشرات خفقان خلال الأسابيع المقبلة". وأضافت "هناك الكثير من الحواجز التي يجب التغلّب عليها من أجل توليد قلب يعمل بشكل كامل، لكنّني أتوقّع أنّه سيكون بالإمكان في يوم من الأيام تنمية أعضاء كاملة للزرع".
وجدته! وجدته! وجدت القلب الذي سيبدأ بعد أسابيع بالخفقان من أجلي، القلب الذي يعمل بشكل كامل بحسب تعبير الطبيبة العزيزة دوريس تايلور، التي تعرف كنسيبتها (؟) المرحومة المسبّعة الزيجات إليزابيت أن لا حياة بلا قلب، ولا حياة بلا حبّ. ولا يهمّ أن تكون هناك عقبات كثيرة أمام تحقيق ذلك، ألا توجد عقبات أكثر أمام قلبين غير ناميين في المختبر؟ آه من المختبر! تلك الغرفة التي ينمو فيها القلب الذي ورث مشاعر قلوب بشريّة لمتبرّعين متوفّين، وينتظر كي يكتمل كما يكتمل البدر في الليلة الظلماء وينير حياتي. يا حياتي! كم سيكون هذا الحبّ رائعًا وكاملاً، عواطفه محسوبة في أهمّ مختبر، ومشاعره ذات جودة عالميّة، ودفق عطائه يتجاوز كلّ التوقّعات العلميّة والفلكيّة.
وجدته! وجدته! أصرخ كمن وجد ضالته، كمن اخترع ما لا يمكن أحدًا أن يصدّقه، كمن حقّق حلم حياته وهو في الجهة الثانية من حياته.
بعد أسابيع يخفق قلب جديد وإن كان من خلايا قديمة، ويعشق للمرّة الأولى، وإن كان مأخوذًا من قلوب عرفت العشق، وحين أغمض عينيّ وأرى عضلاته تنبض بالحياة، سأقول لنفسي: كم رائع أن أعرف أنّ هناك قلبًا يخفق من أجلي... ولو في مختبر.

السبت، 28 أكتوبر 2017

ضيف المدوّنة الصديق الشاعر علوان حسين



ليت كل النساء هن ماري القصيفي
ليتهن يلقطن ما يتساقط من قمح سنابلها
فحنطتها حبات لؤلؤ..
هي تسهر على الحب بجنون ٍ عذب 
وحين تنام ُ تظل عيونها مفتوحة .
كلماتها نساء يرتدين َ الأسرار َ مرصعة ً بالشغف .
كلماتها عصافير وقصيدتها أمومة .
كلماتها مرايا ونوافذ تستدرج الريح .
في كل كلمة تتفتح زهرة 
ومع كل قصيدة ٍ لها يرتعش ُ إله .
ماري القصيفي تضحك ُ
ودمها ينزف ُ قصائد َ وحكايات ٍ ودموع .
لا امرأة تربّي الحب َّ
أو تأويه بين أضلعها
كما تفعل ماري القصيفي .
الحب ُ على صدرها مسيح ٌ صغير ٌ
يرشف ُ من نهديها نبيذ المودة .
يا نساء المعمورة ضعن على رأسها
تاجا ً ولو من شوك 
فهي آخر رسولة ٍ تسجد ُ تحت أقدامها الكلمات ُ .
كل كلمة موجة دافقة
حزنها بحر ٌ بلا ضفاف .
ماذا لو كنت القميص الأزرق 
وقد نسجته أصابعها الوردية 
من حرير الكلام ؟
لو كنت أحد أزرار هذا القميص .
لو كنت غيمة على شعرها
صفحة ً حرفا ً أنيقا ً
طعنة ً شهوة ً أو كتابا ً بلا حروف .
لو أحبتني امرأة مثل ماري القصيفي
ويسيل السحر من بين أصابعها
نهرا ً من شوق ٍ وعواصف .
لو أولد أو أحتضر وأنا بين يديها
لو أستيقظ ذات يوم ٍ كقصيدة
كتبها عاشق ٌ منتحر ٌ
على سرير أحلامه 
وهو يهذي بأسمها ماري ماري 
ثم أركض شفافا ً لأمسك َ القمر .

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

عن مرسيل التي هزمت الموت


قد أتوشّح بالصمت أمام الموت، قد أنزف كلمات، قد أذرف دموعًا، قد أخشع متأمّلة في معاني الرحيل... لكنّي في صبيحة هذا اليوم، حين رأيت عمّي التسعينيّ يحضن ابنته الستينيّة وهو يعلم يقينًا أنّ الدفء المخادع الباقي في جسدها النحيل ليس سوى محاولة أخيرة منها كي تدفئ شيخوخته... في صبيحة هذا اليوم، وحين رأيت ذلك بعين القلب، تصالحت مع الموت.
بدت لي ابنة عمّي نائمة في أمانِ من ارتاح من أوجاعٍ ما فارقتها يومًا، في سكينةٍ هي من طبيعة تكوينها، في هناءة كانت من أبرز صفاتها، وهي التي سمّاها بعضنا ملاكًا، وبعضنا اعتبرها قديسة الصمت والوجع، لكنّنا كلّنا أجمعنا على أنّها لم تؤذ أحدًا، لم تفعل سوى الخدمة، لم تغتب أحدًا ولم تثرثر ولم تعبس ولم تغضب... في صبيحة هذا اليوم، بدا لي أنّ مرسيل تعود إلى حيث كان عليها أن تكون، حيث لا بكاء ولا ألم ولا حقد.
هذه الفتاة التي لم تكبر يومًا ولو تخطّت منتصف عمرها كيف استطاعت أن تبقى صغيرتنا؟ كيف حافظت على نقاء روحها في زمن لوّثت الأمراض أجسادنا؟ كيف احتمل جسمها النحيل كلّ هذه المحبّة فوقفت إلى جانب والدها حين فقد زوجته وولده يوسف، وإلى جانب شقيقتها دعد حين فقدت زوجها أسعد، وحين ساعدت شقيقتيها عايدة ونوال وشقيقها شربل بصلواتها وخدمتها وصمتها وابتسامتها؟ ومن علّمها ألّا تنتظر من أحد أيّ شيء كأنّها تؤمن بأنّها حصلت على كلّ شيء وهي التي لم تملك شيئًا؟
الموت الذي عانق مرسيل صبيحة هذا اليوم صار أجمل وأنقى، وبدل أن يفرض عليها قسوته، كسرت هي شوكته، وبدل أن يغلبها ببرودته انتصرت عليه بدفء قلبها. وأنا التي كنت أتهرّب من مواكبة الراحلين في لحظاتهم الأخيرة كي لا أشهد على عجزهم وعجزي، وجدتني اليوم، وأنا أمسك بيد مرسيل النحيلة المسترخية أشعر بلقاء عالمين مسكونين بالرهافة واللطف والفرح، عالم تحمل مرسيل الكثير الكثير من ملامحه كأنّها مذ ولدت واحدة من أهل السماء، وعالم صار الراحلون من أهل الريحانيّة يعيشون في رحابه.
مرسيل الستينيّة النائمة في حضن والدها التسعينيّ طمأنتني اليوم إلى أنّها لن تغيب عن موسم الزيتون، ولن تترك الريحانيّة بلا بركة صلواتها وفيض بسمتها، ولن تعتب على جان وموريس وبيار وجوزف ومارون وريبكا إن لم يعودوا من غربة أيّامهم ليشاركوا في مأتمها لأنّها تقيم في حنايا قلوبهم حيث لن تموت، ولن ترضى بأن تبكي مريام العروس أو يحزن هنري وإيلين ونور وسحر ولمى وبشارة ومابيل وجوليان... لقد كان الموت عندها دائمًا أهون من أن تسبّب الألم لأحد، وها هي تصيّر الموت إغفاءة بين أمّ تنتظرها هناك وأب يودّعها هنا.

وغدًا، حين أجلس في الكنيسة إلى جانب نعشك يا مرسيل سأعرف أنّك تضحكين كما كنت تفعلين حين أزورك، وسأبكي لأنّي أمام رحيلك لا أجد الكثير من الكلمات.

الأحد، 8 أكتوبر 2017

صلاة يوم الأحد




صلاة يوم الأحد:اعترضتُ يا ربُّ على رغبتك لي في أن أكونَ الحجرَ الذي يسند الخابيّة
إلى أن اكتشفتُ أنّ في الخابيّة الخمرة الجيّدة التي من دونها لا عرسَ ولا خلاص!واعترضت يا ربُّ على مشيئتك في أن أكون الحجر الذي رذله البنّاؤون
إلى أن وجدتُ نفسي حجر الزاوية الذي عليه قام البناء!وها أنا أعترف بعجزي عن أن أفهم لماذا اخترت لي أحيانًا أن أكون حجر عثرة
فهل تريد حكمتُك الإلهيّة للسائر في استسلام كلّيّ يشبه الغيبوبة أن يتعثّر بي، فيعثرَ على الحجر الكريم الذي يعيدُ التوهّج إلى حياته؟

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.